اخبار مصر
منذ منتصف الثمانينات بدأت الكتابة والنشر في مجلتي "روز اليوسف" وشقيقتها "صباح الخير" ، وكنت حينها ضابط شرطة بموقع مهم ، ولكن بسبب كتاباتي تمت إحالتي للتحقيق عدة مرات بتهمة النشر في الصحف دون الحصول على تصريح ، وكانت التحقيقات تنتهي بتوقيع جزاءات بالخصم من راتبي وتوبيخي ، مع لفت النظر وغيره ، وأحتفظ بجميع هذه المستندات لأنشرها في كتاب إن عشنا ، المهم أنني منذ تلك الأيام وأنا أكتب نفس الكلام بعبارات مختلفة ، ووقائع متشابهة سواء عن الإرهابيين أو حقوق المسيحيين أو النوبيين أو كل المهمشين والمضطهدين عمومًا ، ولن أنسى عبارة قالها لي المحقق "مفتش الداخلية" حين قال لي بالنص : "ليه بتكتب عن الأقباط وقلبك محروق عليهم أوي .. دول أكتر أقلية واخدة حقها في العالم" .. ونظر لي باحتقار وسألني بحدة مستنكرًا : "هو أنت مش مسلم ولا أيه ؟ .. إنت بتصلي ولا بتصوم ؟" .. الحقيقة أنني لم أجد كلامًا أرد به سوى أنني أخرجت علبة سجائري وأشعلت سيجارة ــ وهذا تصرف غير لائق من ضابط صغير أمام محقق برتبة لواء ــ وقلت له : "كنت أتوقع أن أسمع الكلام ده من عسكري مجند أو حتى أمين شرطة، مش من مفتش الداخلية .. أيه رأيك سأكتب هذا الحوار الذي دار بيننا وسأنشره ، ويحصل إللي يحصل"، ووقتها كانت "روز اليوسف" متألقة ومعارضة شرسة في عهد عادل حمودة .. فإذا به يكتب تقريرًا يطلب فيه نقلي لأسيوط .. ويا لحكمة القدر .. أقيل عبد الحليم موسى "شيخ العرب" ووزير الداخلية وقتها بعد فضيحة المصالحات وزيارة المشايخ للسجون ، وتم تعيين اللواء "حسن الألفي" ربنا يبارك له في صحته ويحميه ويطول عمره ، وكان يعرفني جيدًا ويحبني ، وحين عُرض عليه تقرير مفتش الداخلية كتب عليه تأشيرة بقلم أحمر جاء فيها : "ما هذا الكلام الفارغ يا سيادة اللواء .. الرائد / نبيل شرف الدين من أكفأ وأشرف ضباط الوزارة ، وقررنا نقله للعمل بالمكتب الفني للوزير .. وإحالة السيد اللواء مفتش الداخلية للتقاعد" .. وفي نفس اليوم نفذت النقل لمكتب الوزير .. وناشدت معالي الوزير ألا يقيل مفتش الداخلية .. ووصل له الكلام ده من بعض الزملاء .. لكن الوزير تمسك بموقفه، وقال "خلينا يا ابني نبدأ على نضافة .. بلاش قرف، أنا عارف اللواء ده كويس" .. وبعدها بدأت أفكر في الاستقالة والوزير يرفض حتى أطاح به مبارك بعد حادث الأقصر .. فعملت مع حبيب العادلي شهرًا واحدًا واستقلت ، وبعدما قُبلت استقالتي قلت لزملائي : "افتكروا كويس .. الرجل ده مش هيسيب الوزارة إلا وفي إيده الرجل الكبير" ومازال زملائي يتذكرون هذه النبوءة .. وظل طوال خدمته كوزير للداخلية يكرهني لأنه فهم استقالتي على أنني لا أريد العمل معه ، وهددني كثيرًا عبر الأجهزة ووضع تليفوناتي تحت المراقبة ، لكن كان هناك ضباط محترمين يتعاطفون معي سرًا .. وربنا سترها معي كتير .. وشاءت عدالة السماء أن يعيش حسن الألفي في سلام ولا يُوجه له أي اتهام ، بينما سُجن العادلي وحوكم .. وهذه إهانة لم تكن تخطر على بال أحد.
أكتب هذه القصة والخواطر التي تذكرتها الآن حتى ندرك أن التعصب والتطرف لا صلة لهما بالمستوى العلمي أو الاجتماعي أو المناصب .. إنها "أمراض خبيثة" لا تفرق بين أحد من البشر .. وكل أمنياتي الآن أن أعيش حتى أرى مصر "دولة قانون" لا تميز بين مواطنيها على أي أساس سوى الكفاءة والنزاهة واحترام القانون.