د. دينا انور تكتب: أعيش «بايرة» ولا أعيش «مذلولة»



التنازل فى مجتمعاتنا العربية صفة ملازمة للأنثى فى جميع مراحلها العمرية،  وعقاب لها مدى الحياة، من لا تقبل التنازل يصفونها بالفجر،  ويتهمونها بالتسيب وانعدام الخلق والعهر أحيانا،  الأنثى الخانعة المهزومة هى المقبولة فى مجتمع أغلبه من أنصاف الرجال الذين يعانون نقصا وذكورية مفرطة تجاه المرأة!
ولكن هناك نماذج لم تستسلم طيلة حياتها للقهر، ولم تقبل بالتنازل فى القرارات المصيرية التى تتعلق بالمستقبل، ومنهم بطلة قصتى هذا الأسبوع.
تقول بطلتى: أنا فتاة ريفية متوسطة الجمال، رغم ذكائى الشديد وشخصيتى القوية وتفوقى فى الدراسة إلا أن هذه الصفات لا سعر لها فى الأرياف، كنت أشعر دوما بخوف أمى من عدم طرق الخطاب لبابي،  بعكس شقيقتى الصغرى التى كانت تفوقنى جمالا، إلى أن جاء زميلى ليخطبنى فوافقت والدتى على الفور،  على الرغم من أنه لا يناسبنى اجتماعيا وليس هناك تكافؤ أسرى أو علمى بيننا.
منذ خطبتى وبدأ مسلسل التنازلات،  خاصة من أمى، إحنا اللى نجيب الشبكة، إحنا اللى نكلم أهله ونزورهم ونودهم، حتى أثناء خلافى معه على أى شىء أفاجأ بأمى تنصفه وتعتذر له بالنيابة عنى، وربما تبكى لأمه فى الهاتف وتتوسل إليها لكى يعطونى فرصة أخرى!
وعلى الرغم من أنى لم أكن أرى نفسى «معيوبة» لمجرد أننى لست فائقة الجمال، إلا أننى كنت مرعوبة من اللقب الريفى الشهير «بايرة»، فكنت أضع الغصة فى حلقى وأصمت، وما زادنى صمتى إلا قهرا وذلا ومزيدا من التنازلات!
على سبيل المثال: «ما تخرجيش بدون إذني» مع أننى ما زلت فى بيت أهلى ووالدى على قيد الحياة، ما تتأخريش، ما تلبسيش ده تانى، ما تكلميش ده أبدا، ووصل الأمر إلى أن أصبح ينهرنى وأحيانا يسبنى لو رفضت تحكماته، ولكن والدتى كانت لا تدع لى فرصة للثأر لكرامتي، وكانت تهرول خلفه وخلف أهله لتستعطفه حتى لا يتركنى!
إلى أن جاء اليوم الموعود، وجاء غاضبا إلى منزلنا بعد مشاجرة كبيرة بينى وبينه فى التليفون، بدأ فى إملاء شروطه: «أنا بحب كذا وما بحبش كذا وتسمعى كلامى فى كذا ومفيش خروج من غير إذنى، ومفيش كلام مع أصحابك أو قرايبك، ومفيش لبس تلبسيه من غير ما أشوفه الأول» وكانت أمى كالعادة حاضرة للمشاجرة وتبكى وتترجاه أن يسامحنى، ولكننى هذه المرة استجمعت شجاعتى ورفضت كل ما قاله، وأبديت اعتراضى على طريقته فى معاملتى وأسلوبه فى الحديث معى!
فما كان من «الشملول» إلا أن غادر بيتنا غاضبا، وبين انهيار أمى وشجاعة أخى الذى انتقد تصرفات أمى وواجهها بخطئها فيما تفعله فى حقى، تنفست أنا الصعداء وشعرت أننى اتخذت الخطوة التى كانت ضرورية منذ البداية!
فى اليوم التالى أرسل لنا أهله مرسالا بأنه لا يريد إتمام الزيجة، أرسلت له دبلته ومحبسه اللذين لم أكن أطيق وضعهما فى إصبعي، لم أكترث هذه المرة لتوسلات أمى لهم فى الهاتف وبكائها ونحيبها على حظى العاثر وقلة بختي، وشعرت أننى لو كنت قبلت بالمزيد من التنازلات، لظللت أتنازل طيلة حياتي!
انتهت القصة،  ولم يضع حق وراءه مطالب، فالمطالبة بالحقوق حق مشروع لكل صاحب حق، ولكنها تنتزع ولا تمنح، خاصة لو كانت صاحبة الحق أنثى فى مجتمع شرقي، من تقبل بالتنازل تستمر فى التنازل ويصعب عليها إدراك حقوقها، ومن تثور وتتمرد تعانى بعض الوقت ولكنها تعيش قوية واثقة من قدرها وتجبر الجميع على احترام قراراتها والنزول على رغبتها، والأهم من هذا كله أنها تخبر من حولها أن الأنثى إنسان مستقل وليس تابعا لأحد، ولا يحق لأحد أن يتحكم فيها أو يملى بشروطه عليها أو يجبرها على التنازل فقط لأنها أنثى!