-
أخبار المشاهير الفنانة منة عرفة تظهر بإطلالة جديدة من المالديف ، وتتأل كعادتها فى العديد من الصور أثناء وجودها فى البحر، وأمام البحر وص...
-
أخبار المشاهير عارضة الأزياء السورية الجميلة حلا الروح قاسم تظهر فى إطلالة صيفية رقيقة .
-
أخبار المشاهير الكوتش المتألقة "هيا الخطيب" بأحدث جلسة تصوير.

راحت الهانم فى نوم عميق، تحت أثر كمية المخدر الكبيرة التى تناولتها، لتستيقظ الذكريات فى خيالها النائم، مستعيدة رحلة طويلة بدأت من مطاى بمحافظة المنيا، وصولا إلى سريرها المبتل بالدموع فى إحدى فيلات الأسرة بمدينة شرم الشيخ، بعد ظهر الجمعة 13 مايو 2011، رحلة قوامها 70 سنة، امتلأت بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة، والأسرار التى انكشف جانب منها بحكايات المقربين ونميمتهم، وشهادات المنقلبين على العائلة والمكايدين لها، والقصص التى تداولها الأصدقاء القدامى ومعاصرو الرحلة من الفقر والضعف إلى الثراء والجبروت، وظل جانب آخر مخزونا فى روح صاحبته، ربما يدفن معها، وربما يضغط عليها المنوم بآثاره الثقيلة، فتبوح بقدر منها فى هلوسات نومها العميق. كابوس الملكة نازلى فى المشهد الأول الذى استدعته الذاكرة خلال تحررها من قيود الوعى والجسد، عادت سوزان مبارك، أو سوزان صالح ثابت، إلى طفولتها الأولى فى المنيا، بين والد طبيب، عاد من بعثة تعليمية فى جامعة كارديف بالمملكة المتحدة، مصطحبا معه ممرضة إنجليزية، سقط فى حبها وجمعته بها قصة رومانسية رقيقة فى مملكة الضباب، فترك روحه تهيم فيها، واختارت له الحياة أن تكون شريكة العمر وبستان الذرية.
انتحار السيدة الأولى واقعة الانتحار التى اختارتها سوزان مبارك لبداية مذكراتها، التى قيل إنها تعاقدت مع دار كانونجيت الإنجليزية، لنشرها عالميا مقابل 10 ملايين جنيه إسترلينى، أودعت فى حساب غير معروف لها فى بنك أوف إنجلاند فرع لندن، وبحسب تقارير صحفية نشرتها نوافذ إعلامية بريطانية، كانت المذكرات فى صورتها الأولى عبارة عن نسخة من 500 صفحة بخط سوزان مبارك، بعنوان سيدة مصر الأولى 30 عاما على عرش مصر تولى ترجمتها للإنجليزية لبنانى يعمل مع جهاز الشرطة البريطانية سكوتلاند يارد، وكُتبت فى الفترة من 2005 حتى صيف 2011.
فى وقت لاحق اضطرت الهانم للتنازل عن 24 مليون جنيه، قالت: إن كل أرصدتها وحصيلة ما تملكه فى كل البنوك، للهروب من قائمة الاتهامات والملاحقات القانونية الطويلة المحيطة بها، سبقت هذا ثورة عارمة من مبارك، الذى كان حتى هذه اللحظة ممسكا بكثير من مفاصل الدولة، ومحافظا على اتصاله بدوائر واسعة من الموالين والحلقات الوسطى فى دولاب الإدارة المصرية، وبتواصله وضغوطه على الأجهزة الأمنية لم يُنفذ قرار الحبس، اتفق الجميع على أن تقضى حبسها محددة الإقامة إلى جانب زوجها فى المستشفى، بدعوى الحالة الصحية، قبل أن تثمر اتصالات مبارك بمسؤولى المرحلة الجديدة فى مصر، وبوجهاء السياسة فى عدد من عواصم العالم، عن إخراج الملكة المخلوعة من معادلة الصراع السياسى والقانونى، ولاحقا تعرضت الهانم لعشرات الاتهامات والبلاغات، بين استغلال النفوذ والتربح وإهدار أموال مشروع القراءة للجميع والفساد فى مصر الجديدة وجمعية الرعاية المتكاملة والتجارة فى الآثار، والحصول على كوليه من ممتلكات أسرة محمد على، وإهدار عشرات الملايين فى مشروع تطوير المدارس، وخدمة الماسونية والاستيلاء على منح وتمويلات خارجية، وقائمة أخرى طويلة من التجاوزات، ولكنها لم تهتز ولم تحاول الانتحار مرة أخرى، اقتنعت الهانم بأنها سقطت عن عرشها الملكى، وتيقنت من حصانتها وبُعدها عن المساءلة، وتسوية كل الملفات التى قد تحمل لها إزعاجا، لتتفرغ لدخول دوامة الانتقال بين جناح زوجها الفاخر فى المستشفى، وولديها فى غرفة الزيارة بسجن المزرعة. سيدة القصر والرئيس أيضا مبارك كان مسكينا، تقريبا لم يكن يسمع، وكان يبدل سماعة أذن طبية دقيقة فى عملية بألمانيا كل عامين، كنت أساعده على السمع، وكان يعيش سكونا وفراغا بسبب هذا الأمر، وبشكل ما كنت له بمثابة الأم، حتى إننى كنت أعاقبه عندما يخطئ هكذا تسجل سوزان جزءا من شهادتها على شخصية زوجها مبارك وأحواله وتحولاته، بحسب المذكرات المنسوبة إليها، بينما يبدو من الحكايات الخفية الأخرى، التى لم تتناولها المذكرات، وتسرب بعضها عبر مقربين من الأسرة ونافذين فى دوائر السلطة وقتها، أنها لم تكن أما له بمعنى الرعاية والاهتمام فحسب، وإنما بدرجة ما كانت أما بمعنى المسؤولية والتخطيط وإدارة حياته.
من الطلاق إلى إدارة مصر فى حوار منقول عن مبارك، قال الرئيس الأسبق: كانت قائدتى فى كثير من محطات الحياة، وطلبت الطلاق مرارا خلال علاقتنا الزوجية، وعندما أصبحت سيدة مصر الأولى قد تخلت عن هذا الطلب، ورغم أن مبارك لم يقدم تفسيرا لتكرار طلب الطلاق، يبدو أن الزوجة الشابة لم تكن راضية عن أداء زوجها الكهل فى الحياة، اصطدمت بروتينية حياته وأدائه، وبنيته البيروقراطية المحافظة، وأنه لا يملك طموحا، وبالتأكيد لن يحقق لها حلمها الذى تزوجته لأجله، وهو أن تكون مضيفة، أو يوفر لها الطيار الذى ارتمت فى عالمه الضيق فرصة لتطوف العالم الواسع.
هناك شواهد أخرى تشير إلى أن السيدة الأولى كانت تؤدى كثيرا من الطقوس الإسلامية، وتصوم رمضان، وأدت الحج والعمرة أكثر من مرة، ولكن لو تجاوزنا كل هذه التفاصيل الهامشية، سنخرج من القصة بمفاتيح تكشف طبيعة شخصية سوزان مبارك وتصورها عن نفسها وزوجها، الشابة الجميلة نصف الإنجليزية التى كانت تتعالى على زميلاتها فى مدرسة سانت كلير الثانوية، وكأنها واحدة من حملة الدماء الملكية الزرقاء وضعتها الظروف الاضطرارية وسط عامة الشعب وملح الأرض، لم توفر لها حداثة سنها فرصة التقييم الناضج لشريك حياتها، اكتشفت لاحقا أن طموحاتها أكبر مما يوفره لها مبارك، طلبت الطلاق هروبا من حياة خانقة لشخصيتها المنطلقة، ثم استسلمت للأمر الواقع وحاولت تحسين شخصية الشريك، حتى صنعت منه نموذجا أفضل مما كان، وأوصلته لرئاسة مصر، وبطبيعة شخصيتها المتسلطة والمتطلعة لأقصى ما يمكن أن تطاله يدها، اعتبرت نفسها وصيا على الرئيس المصنوع بجهدها، وعلى العرش أيضا، وتعاملت بمنطق أن لها حقا مباشرا فى مقعد الحكم.
موقف سوزان مبارك من ثورة 25 يناير 2011، ومن بعض قرارات مبارك قبلها، يؤكد أنها لم تكن تتعامل كسيدة أولى، وإنما كملكة تحكم من وراء ستار، فى 2005 قرر مبارك تعيين اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة، نائبا له ليتولى إدارة البلاد، بينما كان يستعد للسفر لألمانيا لاستئصال ورم سرطانى بالبنكرياس، رفضت سوزان الأمر وبدأت حربا على عمر سليمان، وهو ما تكرر مع اندلاع تظاهرات يناير 2011، كانت السيدة الأولى المدافع الأول عن العرش، والأكثر تشددا فى رفض كل وساطات حل الأزمة المشتعلة، مادامت تتضمن التنازل عن الحكم، هاجمت أحمد فتحى سرور، وحسام بدراوى، ومصطفى الفقى، لأنهم نصحوا الرئيس بترك الحكم، اعتبرتهم خونة للعائلة، وطالبت وزير الداخلية حبيب العادلى بشكل مباشر باعتقالهم، أصدرت أوامرها بمنع مراسلى الصحف والقنوات الغربية من دخول ميدان التحرير ومحيطه ومتابعة التظاهرات، وأوعزت لولديها علاء وجمال بحمل مسدسات داخل القصر بدعوى أن هناك خطة لتصفية والدهما، وتشير مصادر مقربة من الرئاسة وقتها إلى أن القصر شهد محاولة فاشلة لاغتيال اللواء عمر سليمان، وأن السيدة الأولى لم تكن بعيدة عنها، وحينما هبطت الهليكوبتر العسكرية فى ساحة قصر العروبة بعد ظهر الجمعة 11 فبراير 2011، لتقل سوزان وولديها إلى شرم الشيخ، بموجب اتفاق مبارك مع قادة المجلس العسكرى، الذى يقضى بإعلان قراره تخليه عن السلطة بعد تأمين الهانم وجمال وعلاء، والتأكد من خروجهم من القاهرة، وقتها رفضت السيدة الأولى ركوب الطائرة، قالت للمقربين منها: إنها تشعر بالشلل ولا تقوى على تحريك ساقيها، وتشددت فى الرفض حتى اضطروها اضطرارا لركوب الطائرة، وتدخل الرئيس المتخلى عن كرسيه لإقناعها.
الملكة تخطب أبناء الملوك امتلاء سوزان مبارك بإحساس العظمة والملكية لم يتوقف على تدخلها المباشر والقاطع فى أمور السياسية، بل تجلى فى أحيان كثيرة بشكل أكثر وضوحا ومباشرة، منها ما سجله أسامة الباز، المستشار السياسى للرئيس الأسبق مبارك، قائلا: كان لسوزان مكتب وسكرتارية خاصة فى الرئاسة، وكانت تتدخل فى كل الأحداث، وكانت لها بصمة واضحة فى اختيار الوزراء والمحيطين بالرئاسة، وتؤكد مصادر مقربة من دائرة الرئاسة، خلال فترة حكم مبارك، أن الهانم كانت صاحبة الكلمة العليا داخل القصر، ولا يستطيع أحد تجاوز أوامرها ونواهيها، وكانت توجيهاتها غير قابلة للنقاش وتسرى على الجميع، حتى الرئيس نفسه، بدءا من الديكور وتوزيع الأثاث وقائمة الطعام، وحتى ملابس الرئيس ومواعيده ولقاءاته الرسمية والشخصية، وبحسب قصة تداولتها مواقع إنجليزية عديدة قبل الثورة بسنوات، قدمت سوزان مبارك نفسها باعتبارها ملكة مصر، حينما طلب أحد الأشخاص توقيعها على الأوتوجراف الخاص به.
الملمح الأكثر كشفا لقناعة الهانم بموقعها كملكة، حينما سعت لاستكمال مظهر الرئيس الجديد، ابنها جمال مبارك، الذى كان لزاما عليه الزواج بعد طول إضراب عن الأمر، لأسباب نفسية وعضوية بحسب مقربين من الأسرة، وذلك استعدادا لتوليه حكم مصر خلفا لأبيه العجوز، اتجهت الملكة المتربعة على عرش الجمهورية إلى العائلات الملكية فى المنطقة، اقتناعا منها بتماثل الأوضاع وتكافؤ المراكز، فسعت لخطبة الأميرة هايا بنت الحسين، شقيقة العاهل الأردنى الحالى، ولكن والدها الملك حسين رفض الأمر بشكل قاطع، فاتجهت صوب المغرب لتخطب الأميرة مريم بنت الحسن، شقيقة العاهل المغربى الحالى، ولكن طلبها أيضا رُفض، قبل أن يتدخل الفريق أحمد شفيق، وزير الطيران وقتها، ويتوسط فى زواج جمال من خديجة الجمال، بمعاونة زوجته نزيهة الهجان، عمة خديجة، وهذا أحد أبرز الأسباب وراء تطور علاقة شفيق بالبيت الرئاسى، وتحولها لاحقا من صداقة شخصية لمبارك إلى صداقة عائلية وطيدة.
الهانم تطيح بالأستاذ وتثور للوريث الغطرسة الملكية التى سيطرت على سوزان مبارك لم تتوقف آثارها عند النساء، فعلتها السيدة الأولى مع سعد الدين إبراهيم، أستاذها السابق والمشرف على رسالتها للماجستير، الذى استعانت به موزة آل مسند مستشارا لها ولأمير قطر، وبفضل العلاقة الجديدة مع الإمارة الخليجية الثرية، بدأ مسارا معارضا لحكم مبارك بعد سنوات طويلة من صداقة الأسرة وتأييدها، وقتها استدعته سوزان وقالت له: بتساعد موزة وعايز تعملها هانم يا خسيس، ليعانى بعدها سعد الدين إبراهيم فيما يخص نشاطه البحثى ونشاط مركزه ابن خلدون للدراسات الإنمائية وقنوات الدعم والتمويل الداخلية والخارجية، التى كانت مفتوحة على مصراعيها من قبل بفضل علاقته بالهانم، ولم يعصمه من التنكيل الكامل به إلا جنسيته الأمريكية ومتانة علاقاته مع بعض دوائر السلطة والأمن فى واشنطن.
من أستاذ علم الاجتماع الداعم للغريمة موزة، إلى رجال المال والأعمال المناطحين للأسرة المالكة، طال غضب سوزان مبارك رجل الأعمال حسام أبوالفتوح، صاحب توكيل إحدى أشهر ماركات السيارات فى العالم، الذى قيل إنه دخل صراعا مع مبارك على صداقة إحدى سيدات المال والمجتمع وزوجة أحد رجال الأعمال الأقباط، ولكن مصادر مقربة من الطرفين قالت إن السبب هجوم أبوالفتوح على الأسرة وجمال مبارك فى إحدى السهرات الخاصة، بينما كان تحت تأثير الخمر، ليكشف أمورا تتعلق بالحالة الصحية لجمال مبارك ورحلات علاجه فى لندن، ويُقال إن الهانم كانت مهندسة الفضيحة الجنسية لتسريبات حوت تجارة وتوكيلات السيارات السابق مع الراقصة دينا، التى قالت لاحقا إنها متزوجة منه بعقد رسمى، ثم أصدرت الهانم فى المرحلة التالية توجيهات مباشرة ببدء تصفية حسام أبوالفتوح والتنكيل به، ما انتهى بالرجل خاسرا لثروته وتوكيلاته وقابعا فى أحد السجون. بالمنطق الملكى نفسه، حافظت الهانم على العصا والجزرة فى يديها بالدرجة نفسها، فاعتادت تقديم العطايا والوعود، فعلتها مع سيدة ساعدتها فى بداية حياتها، عندما كانت تسكن مع مبارك شقة صغيرة بمصر الجديدة وتعمل مدرسة بـ11 جنيها شهريا، يقال إنها ضمنتها فى محاولة الحصول على ثلاجة بالتقسيط، فكان رد الجميل أن جاءت بزوجها وزيرا بعد سنوات، ووعدت عائشة عبدالهادى، القيادية العمالية حاملة الابتدائية بالوزارة فى 2004 قبل أن تمنحها المنصب فى 2006، وكافأت طبيب الأطفال حسين كامل بهاء الدين على علاجه لـجمال فى طفولته، فاختارته وزيرا للتعليم فى 1991، ودافعت عن بقائه فى الوزارة حتى 2004 رغم فشله المتواصل، وفعلت الأمر نفسه مع فاروق حسنى، مسؤول الموضة والأزياء الملكية فى 1987، وحتى 2011، ومع محمد إبراهيم سليمان الذى قدم خدمات استشارية مجانية لجمعية مصر الجديدة التى ترأسها، فردت له التحية بحقيبة وزارة الإسكان فى 1993 وضمان بقائه فيها حتى 2005، واستمرت فى نهجها الملكى الذى بدأ منذ منتصف الثمانينيات، تولى الوزراء وتعزلهم، وتتعامل مع حكومة الجمهورية كإدارة تنفيذية فى نظام ملكى مطلق. العرش يتحول لـكرسى سفرة فى يونيو 2011 كانت سوزان مبارك نزيلة بمستشفى شرم الشيخ الدولى، إلى جانب جناح زوجها، بعد محاولتها الهروب من كابوس نازلى القاسى بالانتحار، أو استخدام محاولة الانتحار ستارا صحيا وإنسانيا للهروب من قرار الحبس، المهم أنها كانت زوجة وأُمًّا مشتتة العائلة، تجاور غرفة مجهزة للزوج العجوز، وتبعد مئات الكيلومترات عن زنزانة الولدين القابعين فى أحد سجون القاهرة، واليوم يلتئم شمل الأسرة للمرة الأولى فى عيد ومناسبة، السيدة الأولى تجلس بجانب الرجل الأول للمرة الأولى فى منزلهما بعدما خسرا الألقاب والهيلمان، لتحتفل وسط أسرتها الكاملة بالعيد لأول مرة منذ 9 سنوات تقريبا، تاريخ وفاة الحفيد الأكبر وما تبعها من تطورات شتّتت شمل الأسرة، تفاصيل المشهد تغيرت بدرجة كبيرة، مائدة قصر العروبة، الذى اتُّهمت سوزان فى وقت سابق بالاستيلاء عليه بشكل غير قانونى، قبل اضطرارها للتنازل عنه رسميا، غابت وحلت بدلا منها مائدة الأسرة التمليك فى فيلا مبارك الصغيرة بشارع حليم أبوزيد بمصر الجديدة، الحراسة تقلصت واقتصرت على عدد من أفراد الشرطة، الحرس الجمهورى لم يعد حاضرا فى المشهد، طوابير الخدم والحشم ورجال المراسم والياوران كلهم تبخروا، المشهد لا يحتمل أبطالا أكثر من الزوجين والابنين وأسرتيهما، وفى الخلفية ثلاثة فقط من الخدم أو أكثر قليلا، ولكن رغم كل هذه التغيرات فى تفاصيل الصورة، يظل استبدال كرسى سفرة بعرش مصر، وإزاحة تاج سوزان الوهمى لصالح بونيه منزلى خفيف، وجلوس الأسرة التى تصدرت الصورة، واحتلت مركز الضوء طوال 30 سنة، فى ظلام دامس، بعيدا عن أى فعل أو اهتمام، التفاصيل الأكثر درامية وألما فى كتاب العائلة بعد وفاة الحفيد الأكبر.
فى مايو 2009 توفى محمد علاء مبارك فى ظروف غامضة وبشكل خاطف، الخبر كان صدمة مزلزلة للأسرة، خاصة الجد الذى كان متعلقا بقوة بالحفيد الصغير، ليقضى الشهور التالية ذاهلا وبعيدا عن كل شىء، وعن تفاصيل السياسة والإدارة، كواليس القصر تؤكد أن يد جمال مبارك، والسيدة الأولى من قبله، التى كانت مطلقة فى اختيار المسؤولين وإعفائهم، أصبحت أكثر انطلاقا وسطوة وتغوّلا، لم يعد الرئيس حاضرا فى المشهد، ولم تعد فكرة المواءمة وتجنب إغاظة الأسد العجوز رادعا كافيا للملكة وابنها عن أى فعل أو قرار، الانكسار الذى حملته وفاة الطفل محمد لجده وأبيه وأمه، يبدو أنه كان حافزا ومقويا للجدة والعم، فسعيا بشكل أوسع وأقوى لإتمام مخطط التوريث، وأشرفت الهانم على خطة نقل العرش من الزوج للابن، حتى تحتفظ هى بتاجها الملكى. لعبة المملكة تطيح بالرئاسة بقامتها المتوسطة وقوامها المعتدل، وملامحها الدقيقة الموزعة على وجه صغير ومحايد فى تعبيراته، جامعا بين الروح المصرية والانضباط والإحكام الإنجليزيين، وبثقافة أرستقراطية الطابع، وصوت خافت وهادئ، وابتسامة محسوبة كأنها ماكياج مرسوم يدويا، اختارت سوزان صالح ثابت أن تصنع شخصية مركبة تقدم نفسها للعالم من خلالها، وأمسكت بعناصر هذه الصورة، كما يمسك لاعب شطرنج محترف بعساكره على رقعة صغيرة ومكشوفة، تعاملت مع الحياة كلعبة، وتقافزت بين الملاعب والمحطات والأصدقاء والخصوم، واجتهدت لتوفق بين المتناقضات، فسعت لمصالحة جسدها الخفيف على روحها الثقيلة المتغطرسة، وطموحها الشاب المنطلق على زوجها الكهل الروتينى، ودمائها المصرية على عقلها الإنجليزى، وخيالها الملكى على واقعها الرئاسى، وظلت على هذا الحال، سيدة أولى تتصنع الرزانة والوقار أمام العالم، بينما فى داخلها طفلة صغيرة تلعب بكل الأشياء وفى كل الأوقات. اللعبة التى صاحبت سوزى منذ طفولتها الأولى وتعاليها على زميلاتها، فخرا بأصولها الإنجليزية، ظلت ملازمة لها فيما بعد، قادتها للزواج من رجل يقترب من ضعف عمرها طمعا فى مقعد على طائرة، ودفعتها لاحقا لزهد هذا الرجل والسعى للطلاق منه، ثم أقنعتها بمواصلة الجيم ومحاولة ترويض المقاتل الجاد، وزيّنت لها الاقتراب من سيدة مصر الأولى واللعب فى ملاعب السلطة، ثم أقنعتها بقدرتها وجدارتها بالسيطرة على موقع صديقتها وشريكتها فى الأصل الإنجليزى، وفضلها على مبارك وعرشه، وأحقيتها فى الوصاية عليهما، وصولا إلى اللعب بالناس، الوزراء والمسؤولين والإعلاميين والمثقفين والفنانين والأمن والثورة والنشطاء والساسة، قبل ثورة 25 يناير وبعدها، كلها ألعاب نابعة من شخصية مرتبكة ولا حد لطموحها، ولكن تظل أكبر ألعابها وأفدحها ثمنا وتكلفة لها ولأسرتها وللوطن والشعب، استعارت من نصفها الإنجليزى تاج الملكة، لتضعه على رأس نصفها المصرى، وتخيلت أنه يمكن لها أن تصبح بسهولة ودون أدنى خسارة، ملكة فوق كرسى الجمهورية.
