حالة من القلق تسود الكنيسة الأرثوذكسية (الكلمة تعنى: مستقيمو الرأى) مع كثرة حديث البابا تواضروس الثانى عن معنى التعدد والتنوع فى الطوائف المسيحية.
هذا الأمر رأى فيه كثيرون عدم التمسك القوى بالعقيدة التى ترى نفسها أنها الأصح والحق فى فهم المسيحية وتطبيقها عمليا، وقد ظهر ميل البابا تواضروس للطوائف الأخرى منذ أن قام برحلته الأولى للفاتيكان، وطالب بتوحيد ميعاد الأعياد المسيحية مع الكنائس الغربية وخاصة الكاثوليكية ومدح التعدد والانفتاح على الآخر، حيث قال إن تعدد الطوائف ليس خلافا ولكنة تنوع جميل، مشيرا إلى أن "الكنيسة منفتحة وكلنا نجتمع بالصلوات والترانيم فرحين بالمسيح وحضوره فى كنائسنا، والحكاية مش خلاف بل تنوع جميل يجمعنا معا"، وكلمة معا هى كلمة ساحرة.
وأضاف أن الكتاب المقدس يقول: ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة "معا"، والكلمة تحمل القوة والجمال والحياة، وقال إن الاتحاد قوة، وأصابع اليد متحدة ولكنها مختلفة فى الحجم والطول والقوة، وعندما تمارس أى شىء بيديك فإنك تعبر عن كلمة "معا".
من هنا وجدنا أكثر من أسقف يصدر محاضرات وأبحاثا وكتيبات تهاجم اللاطائفية (عدم وجود طائفة للمسيحية) بحجة التنوع، فأصدر الأنبا موسى مؤخرا كتابا جديدا عن أسقفية الشباب بعنوان "اللاطائفية وهم" جاء فى مقدمته:
"مع كثرة وانتشار الطوائف، وظهور شيع كثيرة غير مسيحية ولكنها تدّعى المسيحية، كالأدفنتست، وشهود يهوه، والمورمون (وقد وصلوا حديثًا إلى مصر)، ينادى البعض بعدم أهمية العقيدة، وبشىء اسمه "اللاطائفية"، أى عدم الانتماء إلى طائفة بعينها، وهذا كله خطأ، فالعقيدة هى ما انعقدت عليه الحياة، فأنا أؤمن بوجود الله، لذلك سأسلك على هذا الأساس، وأنا أؤمن بالتجسد، فأرتبط بالفادى الذى تجسد لأجلى، وأطلب منه تقديس جسدى بدمه الكريم وفِعل روحه القدوس، وإذا كنت بشفاعة القديسين أدخل فى عِشرة معهم، وأحس بوجودهم ودورهم فى حياتى إن آمنت بالاعتراف اعترفت، وإن آمنت بالقيامة وضعت الأبدية نصب عينى، أما اللاطائفية فهى ببساطة "مسح العقيدة"، فيصير الإنسان غير أرثوذكسى (Non-orthodox)، وليس "ضد الأرثوذكسية" أى (Anti-orthodox). أى أنك تجده لا يهاجم العقيدة الأرثوذكسية ولكنه يمسحها تمامًا، وهذا أخطر طبعًا، إذ سينساها الناس، ولا يعيشون بمقتضاها، إن مسح العقيدة نوع من العقيدة بحد ذاته".
الخطر
ودخل الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومرسى مطروح وليبيا على الخط، فكتب محاضرة بعنوان "خطورة اللاطائفية" قال فيها: "إن الكنيسة تواجه الآن أمرا خطيرا جدا، هو بدعة اللاطائفية. إنها طائفة جديدة تحمل خداعا كبيرا جدا ينخدع فيه أبناؤنا البسطاء، وليس هذا القول نوعا من التحامل أو الكراهية أو التعصب، بل نحن نتحدث عن الواقع، إن بدعة اللاطائفية هى نوع من الثعالب الصغيرة التى يمكن أن تفسد الكرم".
خطورة اللاطائفية:
1ــ ترك العقائد الإيمانية الهامة جدا فى إيماننا الأرثوذكسى، مثل الإيمان بالفداء والثالوث، والمعمودية، والأسرار، ومعنى اللاطائفية ترك هذه العقائد، وإهمال الحديث عنها، مثل من يقوم بالدعاية لأحد المنتجات بحيث نرى الإعلان عنها فى كل مكان، ودون أن ندرى نترك المنتج الآخر الذى أهملنا الحديث عنه، فالطفل الذى يذهب إلى مكان لا طائفى، لا يرى فيه شورية، ولا قربان، ولا أيقونة، ولا كاهن، كيف يرتبط بالأرثوذكسية.
2ــ من بين خطورة اللاطائفية الإهمال فى التراث المسلّم لنا من الآباء القديسين، مثل تراث القديسين وتراث أقوال الآباء، وتفسيراتهم، وتراث الكنيسة بكل ما تحمله لنا من بركات، مثل الاستشهاد والحياة النسكية، وتاريخ الكنيسة وخصوصا القرون الخمس الأولى، ولا شك أن اللاطائفية تنسى أولادنا التراث الذى تسلمناه.
3ــ الأرثوذكسية تزرع فينا الانتماء، بينما اللاطائفية تقود إلى عدم الانتماء الكنسى، حيث يصير الإنسان بلا هوية، لأن اللاطائفية معناها ذوبان الكل، فالكنيسة الأرثوذكسية هى الكنيسة الأم، وهى الكنيسة الوطنية، بينما الإرساليات الأجنبية حضرت إلى مصر فى ظروف خاصة فى القرن الـ19، ومن الأمور المهمة أن ينتمى أولادنا إلى التراث القبطى الأرثوذكسى، ولولا دماء الشهداء، ولولا جهاد مدرسة الإسكندرية من أجل الإيمان ما كنا مسيحيين.
4ــ فكر اللاطائفية هو لخداع البسطاء من المسيحيين، بادعاء أننا كلنا واحد فى المسيح، (وهنا رد واضح على كلام البابا تواضروس ما أحلى أن يسكن الإخوة معا) وأن هذه الجمعيات اللاطائفية مثل جمعية خلاص النفوس، تدعى أنها ترعى النفوس من جميع الطوائف بدلا من هلاك هذه النفوس، كما أن خداع هذه النفوس يأتى أيضا من نشر إحصائيات مبالغ فيها عن أعداد غير حقيقية لا تمثل الواقع ارتدوا عن الإيمان المسيحى، ولذا فإن الجمعيات اللاطائفية تقوم بالعمل الرعوى بدلا من هلاك هذه النفوس.
5ــ من خطورة اللاطائفية، أنها تجعل الإنسان يعرج بين الفرقتين، لأن كثيرا من أبنائنا يحضرون إلى الكنيسة ويذهبون أيضا إلى تلك الجمعيات اللاطائفية، أو الأماكن البروتستانتية لسماع عظة مشبعة. إن المبدأ الإنجيلى واضح، وهو أن الإنسان لا يمكن أن يعرج بين الفرقتين. واللاطائفية نوع من التعريج بين الفرقتين. فالإنسان يحضر إلى الكنيسة ويتعلم الصلاة بالأجبية والتشفع بالقديسين، ثم يذهب إلى الجماعات البروتستانتية ويصلى بالطريقة الخمسينية.
6ــ اللاطائفية تنسينا الاهتمام بالفكر اللاهوتى، فيدخل إلينا الكثير من الهرطقات التى تنسينا الإيمان المسيحى، وما هو الحال لو دخلت اللاطائفية فى وقت آريوس؟، وهل يمكن أن يخلص الآريوسين أو شهود يهوه أو السبتين؟ وهل يمكن أن نقول كلنا واحد فى المسيح ونرفض الحديث عن يسوع المسيح الفادى المخلص؟، ولو لم يوجد أثناسيوس لسادت الأريوسية، وكيف لا نتحدث عن جهاد أثناسيوس ضد الأريوسية؟.
7ــ اللاطائفية تعتمد على العواطف، والعواطف تتغير من وقت إلى آخر ومن مؤثر إلى مؤثر، بينما العقيدة لا تتغير فى الوقت الذى تتغير فيه العواطف بتغير المكان والزمان والظروف، ولذلك يجب أن يبنى السلوك على العقيدة التى لا تتغير.
8ــ اللاطائفية تدخل مسميات كثيرة بدعوى التمسك بحقوق الإنسان، والأساس هو منطق بشرى وليس أساسا لاهوتيا، وذلك مثل موضوع كهنوت المرأة الذى يعتمد على حقوق الإنسان وليس على أساس الفكر اللاهوتى حيث لم تكن العذراء لها كهنوت.
9ــ اللاطائفية تفتت المجتمعات المسيحية وتفقدها وحدة الإيمان، ووحدة العقيدة، وتتجاهل الكثير من نصوص الكتاب المقدس (الخاصة بالتناول والمعمودية والأسرار). إن ربنا يسوع يتعامل بحزم وقوة مع من يرفض نصوص الكتاب "من لا يتناول من جسده ودمه فليس له حياة، ومن لا يعتمد من الماء والروح لا يدخل ملكوت السموات".