سيناريو مرعب عربيا وإسلاميا وعالميا..




- انتخابات النمسا وشرخ الاتحاد الأوروبى تهيئ الأجواء لإجراءات استثنائية

تصويت البريطانيين على خروج بريطانيا من عباءة الاتحاد الأوروبى منذ أيام، مؤشر خطير للغاية يُدلل على تنامى نفوذ بعض الأصوات المتشددة الراغبة فى تطبيق السياسة الانغلاقية، فى مقابل خفوت بريق الفكر الوسطى، ولعل استقالة رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون مع الحديث عن بروز الشخصية المثيرة للجدل بوريس جونسون عمدة لندن السابق، كأبرز المرشحين لخلافته، خير دليل على سير الأمور فى اتجاه أكثر تشددًا ستظهر تأثيراته مستقبلا على العالم العربى والإسلامى.

أثناء متابعة العالم لتطورات الأوضاع بعد قرار الشعب البريطانى، دارت الأحاديث حول توابع الخروج من الاتحاد الأوروبى وتأثيراته على كافة المستويات، إلا أن بعض المحللين السياسيين ذهبوا إلى نقطة أبعد من ذلك، وهى الحديث عن سيناريو سيئ للغاية ينتظر الجميع، متمثلاً فى احتمالية تولى زعيم تيار انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى بوريس جونسون رئاسة وزراء بريطانيا، بالتزامن مع إمكانية فوز المرشح الجمهورى المتشدد دونالد ترامب فى سباق انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية، فى وقت تنمو بقوة فيه ما يُعرف بـ "اليمين المتطرف" فى القارة العجوز. 

بالنسبة لبوريس جونسون المُلقب بـ"مهندس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى"، فهو صحفى سياسى، اعتاد إثارة الجدل طوال مسيرته سواء على صعيد العمل الصحفى أو السياسى الذى بدأ فعليًا فى 2001 عندما تم انتخابه عضوا فى مجلس العموم البريطانى، ثم سار عمدة للعاصمة البريطانية لندن فى 2008، لكنه خلال تلك الفترة اشتهر بزلات لسانه واعتذاراته الكثيرة، ورغم هذا تم تصعيده فى حزب المحافظين إلى أن بات مرشحًا بقوة لشغل منصب رئيس وزراء بريطانيا.

المثير أن جونسون ينتمى إلى أصول تركية، فجده يدعى على كمال وزير سابق فى الحكومة العثمانية، تم اغتياله بعد معارضته مؤسس دولة تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، ورغم تلك الجذور يتبنى عمدة لندن السابق سياسات معادية للمهاجرين تحت زعم أنه فى مصلحة الشعب البريطانى أولأ. 
 
سيناريو مرعب

مارتن زيلماير مدير مكتب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر واحد من الأشخاص الذين أبدوا تخوفاتهم صراحة من السيناريو السابق الإشارة إليه فى تغريدة له عبر موقع التدوينات القصيرة "تويتر" تناقلتها وكالات الأنباء العالمية، وقال فيها: "مجموعة السبع 2017 (الدول الكبرى) فى وجود المرشح الجمهورى للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب ورئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسى مارين لوبن، ورئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون ورئيس حركة النجوم الخمس الإيطالية بيبى جريلو؟ إنه سيناريو مرعب يُثبت دواعى ضرورة مكافحة الشعبوية".

ويُشار إلى أن مصطلح "الشعبوية" الوارد على لسان المسئول بالاتحاد الأوروبى فى الأغلب يتم استخدامه للتقليل من طريقة بعض السياسيين الذين يعتمدون بشكل أساسى على مخاطبة الشعوب وتأجيج مشاعرهم والأحاديث الحماسية.

حديث المسئول فى الاتحاد الأوروبى ينم عن أن سيطرة أحزاب اليمين المتطرف أو الشعبوية على مقاليد الحكم فى دول العالم الغربى بات وشيكًا من وجهة نظره، خاصة أن كافة العوامل تصب فى صالحهم فى ظل تحقيقهم انتصار يوم بعد الآخر على الصعيد الشعبى مستغلين الخسائر الاقتصادية التى تتعرض لها بلادهم، وانتشار ظاهرة اللجوء ووقوع عدد من العمليات الإرهابية من وقت لآخر.

وللعلم فإن "اليمين المتطرف" هو وصف يُطلق على الأحزاب فى القارة العجوز التى تتبنى سياسات متشددة، وبالأخص تجاه المهاجرين الذى يصل أحيانًا إلى مرحلة العداء، جميعها تقريبًا تتفق على ضرورة السعى للحد من الهجرة لما يمثله هذا الأمر من خطر على الأمن القومى الأوروبى لأن هؤلاء المهاجرين فى وجهة نظرهم يتسببون فى انتشار الجرائم والعمليات الإرهابية، إضافة إلى ذلك فإنهم يرون أن حركة الهجرة تشكل عبأ على معدل النمو الاقتصادى بالقارة العجوز. 
 
ازدهار اليمين المتطرف:

يُرجع بعض المحللين السياسيين بداية تسارع وتيرة نمو نفوذ اليمين المتطرف فى الأعوام الماضية إلى ما يعُرف بأزمة اليورو المالية فى عام 2008، بعدما تم الإعلان عن دخول منطقة اليورو لمرحلة الركود لأول مرة بتاريخها، لتحاول الحكومات الأوروبية المختلفة الانسحاب مما يُعرف بـ "دولة الرفاة الأوروبى"، وتطبيق سياسية تقشفية لكن هذا الوضع لم يفلح كثيرًا على مدار السنوات الماضية.

وبخلاف الأزمة المالية فإن هناك عوامل أخرى أدت لازدهار أحزاب اليمين المتطرف فى أوروبا خاصة بريطانيا، وهى نفس الأسباب التى أدت لاتخاذ الشعب الإنجليزى قرار الانفصال عن الاتحاد الأوروبى، أبرزها عدم تقنين الهجرة الأوروبية لبريطانيا، خاصة أن المتدفقين على سوق العمل يستفيدون من نظام الإعانات الاجتماعية المتوافر فيه، ولم تكن الحكومة البريطانية تمتلك قدرة التصرف حيالهم، لأن هناك اتفاقيات مبرمة بين دول الاتحاد الأوروبى وعلى رأسها اتفاقية حرية انتقال الأفراد بين الدول الأوروبية "شنجن".

تنامى الرغبة البريطانية فى فرض سيطرتها على حدودها لم يكن سببه فقط الهجرة الأوروبية وتدفق العمالة إليها، إنما لعبت أزمة اللاجئين دورًا كبيرًا فى ظل إيمان المجتمع الإنجليزى بأن كثرة المهاجرين أثرت على مستوى المعيشة والنسيج الاجتماعى، خاصة أن أزمة الهجرة الحالية والتدفق على أوروبا بشكل عام تُعد الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

المثير فى الوضع أن الكثيرين لم يتصوروا أن تُحدث أزمة اللاجئين وغيرها من الأزمات الاقتصادية تلك الهزة الكبرى التى تكاد تعصف بالاتحاد الأوروبى، لكن على الجانب الآخر كانت هناك شخصيات حذرت من تفاقم الأوضاع ومنهم رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس الذى أكد أن أزمة اللاجئين والمهاجرين ربما تُدمر الاتحاد الأوروبى بالكامل بعد تفجيرات باريس الأخيرة التى أودت بحياة أكثر من 140 شخصًا.
 
خطوات على أرض الواقع

وبفضل العوامل السابقة وغيرها حقق اليمن المتطرف خطوات فعلية على أرض الواقع فى أوروبا خلال الفترة الأخيرة، أبرزها ما حدث فى 25 أبريل الماضى بعدما صُدم الجميع عقب الانتصار المؤقت لحزب ليمين المتطرف المناهض للاجئين فى الانتخابات الرئاسية لدولة النمسا.

ووفقًا لمّا أوردته وكالة "فرانس برس" حينها فإن النمسا كانت لأول مرة فيها لن يحظى الرئيس بدعم حزب الاشتراكيين الديمقراطيين ولا بدعم شركائها من وسط اليمين فى التحالف الحاكم فى حزب الشعب، لكن الوضع لم يستمر بنفس الوتيرة الناجحة للنهاية ومنع مرشح حزب الخضر فان دير بيلين الذى فاز بأكثرية 50.3% من الأصوات هوفر من أن يصبح أول رئيس دولة أوروبية ينتمى لليمين المتطرف. 

بعد النتائج الأولية لانتخابات النمسا، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا لها فى 18 مايو الماضى، تُحذر فيها من سيطرة اليمين المتطرف على أوروبا مؤكدة أن فكرة حكم رئيس يمينى متشدد لدولة أوروبية قد يتكرر بعد عام وبالتحديد فى أبريل من العام القادمة قد يُفاجئ الفرنسيون العالم باختيار ماريان لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليمينى لمنصف الرئاسة فى فرنسا، وذلك وفقًا لاستطلاعات الرأى التى تم إجراؤها حتى الآن. 

وأوردت الصحيفة فى تقريرها أن الأمر لن يقتصر على فرنسا، بل أن ألمانيا التى كان يعتقد أنها فى مأمن من هذا المرض نجح حزب البديل من أجل ألمانيا المعادى للمهاجرين الفوز فى انتخابات الولايات بنسبة 12 إلى 24%.
 
أجواء مهيئة .. تنتظر التحركات الفعلية

على الجانب الآخر فإنه فى حالة فوز دونالد ترامب لمنصب رئيس الولايات المتحدة، فسوف تكتمل حلقات صعود التيار اليمينى المتطرف بسيطرته على مقاليد الحكم فى الدول الكبرى.

وذكرت مجلة فورين بولسى الأمريكية فى تقرير لها أن تداعيات مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبى قد تشمل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والاقتصاد العالمى، وتوازن القوى بين الولايات المتحدة أوروبا وآسيا.
 
ليست فورين بولسى فقط، بل إن هناك عدد من الصحف الأمريكية أكدت على

أن الوضع فى الولايات المتحدة بات غير مطمئن تجاه استمرار التيار الديمقراطى صاحب السياسة الوسطية، رغم أن المؤشرات فى أوقات سابقة كانت تصب فى صالح المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون لكن الرؤية بات غير واضحة حاليًا، فالأمور باتت معلقة والجميع فى انتظار من سيجلس على كرسى الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة فى 8 نوفمبر القادم.

ومن الأمور التى ترجح كفة ترامب صاحب السياسات المتطرفة تجاه المهاجرين وخاصة المسلمين حاليا، استغلاله لعامل تنامى ظاهرة الإسلاموفوبيا مع كل عملية إرهابية تحدث فى الفترة الأخيرة، وأبرزها الهجوم على للمثليين بمدينة أورلاندو فى ولاية فلوريدا الأمريكية فى 12 يونيو الجارى الذى أودى بحياة أكثر من 50 شخصًا فى ثانى أسوأ حادث إطلاق نار بتاريخ الولايات المتحدة.

والآن ينتظر الجميع ما ستسفر عنه الأشهر القليلة القادمة، والتى أن سارت وفقًا لمّا يحلم به أنصار اليمن المتطرف فى الغرب سواء فى بريطانيا أو الولايات المتحدة، سيكون العالم على موعد مع تحولات كبرى لا يمكن تقديرها حاليًا، لاسيما أن قطاع لا بأس به فى الشعوب الغربية بات لقبول أى قرارات أو إجراءات استثنائية إذا كانت ستنعكس على تحسين وضعهم الاقتصادى أو الاجتماعى. 

هذا الخبر منقول من : اليوم السابع