توفى الدكتور بطرس غالى حفيد بطرس باشا غالى، عن عمر يناهز 94 عامًا، بعد صراع مع المرض باحدى المستشفيات بالمهندسين بمحافظة الجيزة. وقررت مصر اقامة جنازة عسكرية تقديرا لدوره الوطنى والسياسى .
الجد بطرس باشا غالى
الجد بطرس باشا غالى، من مواليد محافظة بنى سويف سنة ١٨٤٦، وكان يتقن اللغة الانجليزية والتركية، وعُين مدرسًا بالمدرسة القبطية بالقاهرة، وسافر فى بعثة إلى أوروبا لتلقى تعليمه العالى هناك. وعندما عاد عمل فى الترجمة بالإسكندرية، وهو أول قبطى يحصل على الباشوية.
وتخبرنا "ذاكرة مصر المعاصرة"، الصادرة عن مكتبة الاسكندرية، عن بطرس باشا غالى، عند قيام الثورة العرابية فى مصر بقيادة أحمد عرابى كان بطرس من أنصارها ومن المنادين بالتفاوض مع الخديو، ولذا اختير ضمن وفد المفاوضة للتفاوض مع الخديو باسم العرابيين. وكان رجل دولة تحمل على عاتقه فترة من أصعب فترات التاريخ المصرى فى ظل غطرسة الاحتلال البريطانى، فقد فاوض الإنجليز على تخفيف أحكام دنشواى وحمل أوزار قدرته على مواجهة الإنجليز بالتفاوض أو المراوغة...وتعاون معه وطنيون كسعد زغلول، وشُهد له بالكفاءة فى إدارة النظارات (الوزارات) التى أسندت له، وبالكفاءة كرجل دولة تولى رئاسة الوزارة.
تولى بطرس باشا غالى رئاسة الوزراءة (النظارة) فى عام 1908، فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى، وعندما اثير نقاش حول كونه مسيحيا مما قد يثير اعتراض المسلمين، فأجاب الخديو على الفور بأن مصر شهدت نوبار باشا رئيسًا للوزارة وقد كان مسيحيًا وأجنبيًا، أما بطرس غالى فهو على الأقل مصرى، كما كان بطرس غالى رجل سلم وعمل، نشط فى مجال السلم والوساطة.
من ضمن الأمور التى أثرت علي صورته عند البعض، توقيع اتفاقية السودان عام ١٨٩٩م، والتى تقضى بالحكم الثنائى لمصر وبريطانيا للسودان، ورئاسته لمحكمة دنشواى الخاصة التى انعقدت عام ١٩٠٦م، وموافقته على قانون المطبوعات فى عام ١٩٠٩م، الذى يقيد حرية الصحافة والنشر والتعبير، بالإضافة الى دوره فى مشروع مد امتياز قناة السويس.
أما السبب الاول، فكان التوقيع مضطرا بصفته وزيراً لخارجية مصر في عهد المعتمد البريطاني لورد كرومر فقام بالتوقيع عن الجانب المصري. أما رئاستة لمحكمة دنشواى، فكانت رئاسة شكلية بصفته قائمًا بعمل ناظر الحقانية نتيجة لظروف إدارية بحتة وهى غياب ناظر الحقانية آنذاك إبراهيم فؤاد باشا الموكل إليه أساسًا رئاسة المحاكمة بحكم قانون عام ١٨٩٥م، وحاول تخفيف الأحكام على المتهمين بقتل الضابط الانجليزى، ونجح فى الغاء حكم الإعدام على أحدهم، وقال أن ضميره غير مستريح لاعدامه واُعدم أربعة وسُجن وجُلد الباقون.
أما قانون المطبوعات فكان بتكليف من الخديو عباس حلمى الثانى، وأخيرا ربما يرجع دخول بطرس باشا غالى فى مفاوضات مع شركة قناة السويس، لمد امتيازها أربعين عامًا، مقابل حاجة الحكومة المصرية فى ذلك الوقت الى أربعة ملايين من الجنيهات تدفعها الشركة للحكومة، وجانب من الأرباح من سنة ١٩٢١م إلى سنة ١٩٦٨م.
اغتيال بطرس باشا غالى
فى ٢٠ فبراير ١٩١٠، اغتيل "بطرس باشا غالى" على يد "إبراهيم ناصف الوردانى"، صاحب الأربعة وعشرين عاما، طالب الصيدلة الذى تعلم فى سويسرا، وعضو جماعة "الاخاء المتبادل" بعد ان أطلق عليه 6 رصاصات أثناء خروجه من ديوان الخارجية بصحبة حسين باشا رشدى ناظر الحقانية، وفتحى باشا زغلول (وكيل الحقانية)، وعبدالخالق ثروت (النائب العمومى)، ورفض الشيخ "بكرى الصدفى" المفتى، إعدام "الوردانى" بحجة اختلال قوى المتهم العقلية وفى رواية اخرى بحجة أن أداة القتل المستخدمة "المسدس" لم يرد ذكره فى القانون الاسلامى !!
الحفيد الدكتور بطرس غالى
أما الحفيد الدكتور بطرس غالى، فهو الدبلوماسى القدير، والخبير القانونى، وأستاذ العلوم السياسية، وأول مصرى عربى وأفريقى يتولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة، والرئيس السابق والشرفى للمجلس القومى لحقوق الإنسان، والنائب الأسبق لرئيس مجلس الوزراء للشئون الخارجية وصاحب المؤلفات القانونية والسياسية القيمة وغيرها من المناصب والاسهامات.
حصل بطرس غالى على درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة باريس في عام 1949م، وكانت أطروحته عن دراسة المنظمات الإقليمية. وهو حاصل أيضا على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة في عام 1946م. وعلى دبلوم في كل من العلوم السياسية والاقتصاد والقانون العام من جامعة باريس. والعديد من الدكتوراة الفخرية من دول عديدة.
وخلال حياته العملية، حصل على جوائز وأوسمة من 24 بلدا، تشمل إلى جانب مصر، بلجيكا وإيطاليا وكولومبيا وفرنسا والأرجنتين وكوت ديفوار ...الخ. وقلد أيضا وسام فرسان مالطة.
وفي الفترة من عام 1949م إلى عام 1977م، كان الدكتور بطرس بطرس غالى أستاذا للقانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة القاهرة. ومن عام 1974م إلى عام 1977م كان عضوا في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي العربي.
شارك بطرس غالى، فى مفاوضات كامب ديفيد التى ساهمت فى عودة سيناء إلى الوطن، ووصفه الموقع الإلكترونى لصحيفة "نيويورك تايمز" بـ"حجر الزاوية" فى هذه المفاوضات، كما وصفه " بان كى مون" ، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، " بخسارة كبيرة للعالم كله.
يبقى ان نؤكد على أن الانسانية فقدت رجلا محبا للسلام، ودبلوماسيا قديرا فى التفاوض، وسياسيا محنكا احترمه العالم لكفائته وأمانته، وسار الحفيد على نهج الجد.
ندعو الله ان يعوضنا خيرا فى فقدانه..فان مات يتكلم بعد من خلال سيرته العطره ومؤلفاته القيمة وتلاميذه الأفاضل.