عماد الدين أديب يكتب: هل نكره رجال الأعمال؟



الوطن
أذكر حينما كنت أعمل فى العاصمة البريطانية، منذ أكثر من 25 عاماً، أننى دُعيت إلى حفل افتتاح مشروع تدشنه السيدة مارجريت تاتشر التى كانت تشغل منصب رئيسة الوزراء، وهى أيضاً النائبة عن ضاحية «جولدرز جرين» التى يقع بها المشروع.
كان المشروع هو مطعم من سلسلة «كنتاكى» للوجبات السريعة!
قالت السيدة تاتشر: إننى سعيدة بافتتاح هذا المشروع الذى يتيح فرصة عمل لـ43 عاملاً، أكرر -فقط- 43 عاملاً!
فى الغرب يحترمون من يخاطر بماله من أجل عمل أى مشروع يتيح فرصة عمل لأى عدد من الناس مهما صغر. فى الغرب يؤمنون بأنك إذا أعطيت أحداً فرصة للعمل فأنت أعطيته فرصة لحياة كريمة وشريفة وكفيلة بمنعه عن ممارسة أى فساد.
فى الغرب يحترمون صاحب العمل، وصاحب المال الذى يفكر ويبدع ويخطط ويبنى وينفذ ويخاطر ويدير، طالما أنه يدفع حقوق العاملين ويدفع حق الدولة فى الضريبة المستحقة.
فى مصر لدينا رجال أعمال شرفاء فتحوا مصانع كبرى عمل فيها الآلاف، وبنوا مدناً جديدة كانت عبارة عن صحراء قاحلة، ودخلوا فى مجال استثمارات صعبة وغير مضمونة النتائج، وتحملوا كل مشاكل البيروقراطية ورسوم الضرائب والتأمينات والقضايا العمالية وشائعات الإعلام والتعريض بهم ليل نهار. ثقافة المجتمع فى مصر، وموقف الإعلام فى بلادنا، هما موقف عدائى وكاره لرجال الأعمال.
نحن نرى فى كل من يملك المال أنه، بالضرورة، وبالتأكيد استغلالى، فاسد، يتاجر فى الممنوعات، وعلى علاقة آثمة بالسكرتيرة، ويدخن السيجار الكوبى، وعدو للعمال، ولديه طائرة خاصة فى المطار مستعدة للإقلاع به فى أى وقت للهروب من مصر.
كلامى هذا لا يعنى أن كل رجال الأعمال ملائكة أو أنه لم يحدث فى مصر زواج للمال بالسلطة، ولكن يعنى أن هناك شرفاء منهم بنوا اقتصاد هذا الوطن فى المدن الجديدة، والحديد والأسمنت، والأدوية، والسجاد، والمنسوجات.
ويكفى أن أكثر من ثلثى المواد الغذائية التى يشتريها الناس هى من الصناعة المصرية.
ولا يغيب عن الذاكرة أن مصر عقب هزيمة 1967 لم يكن فى محلات بقالتها سوى الجبن الأبيض والرومى وجبنة نستو ومنتجات شركة قها.
نحن أمام حالات من التطرف الذى يصل إلى حد النقيض فى التعامل مع رأس المال ورجال الأعمال: تارة نعاملهم على أنهم أئمة الفساد والشر، وتارة أخرى نفتح لهم أبواب الحكم حتى يتم التزاوج مع السلطة.
المطلوب تطبيق قول الله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» سواء بالخير أو الشر.