لا مكالمةَ واحدة تكتمل!
يهرب منك الخط بعد عدة ثوان. فتعاود الاتصال لتُكمل الجملة التى بُترت على
لسانك. لأن شركات الاتصالات المصرية لا تحترم عملاءها، ولا تعبأ بوقتك ولا
بأعمالك. فأنت مجرد رقم! وقيمتك هى قيمة الفاتورة التى تدفعها لهم كل شهر،
وفقط. أما الجحيمُ عينُه، فينتظرك إن حاولت الاتصال بأقسام الدعم الفنى
لأى شركة اتصالات أو إنترنت. نصف ساعة ستضيع من عمرك هباءً دون أن تصل إلى
شىء. فتتعلم فيما بعد أن تتحمل رداءة الأداء وأنت صامتٌ صابرٌ، صموتٌ حمول،
دون شكوى. فأنت لن تضحى كل يوم عبثًا بثلاثين دقيقة من عمرك، فضلا عن
خسرانك أعصابك وتعكر مزاجك بقية اليوم، دون طائل. الموظف الذى يتلقى
الشكاوى مُدرّبٌ جيدًا على امتصاص طاقتك وإنفاد صبرك وتدمير أعصابك. يحفظ
الأسئلة ويكررها ببلاهة كالببغاء، ويتفنن فى إضاعة وقتك وإصابتك بالضجر.
يتركك بالدقائق الطوال كالدهر تسمع موسيقاهم المزعجة، وتتجرّع إعلاناتهم
المملة رغم أنفك، ثم يعود إليك بصوت باسم وهو يعتذر عن الوقت الذى سرقه من
عمرك، والنتيجة؟ صفر. المشكلة قائمة وعلى جنابك أن "تخبط راسك فى أقرب
حائط". ولأنك ذكىّ وتعرف قيمة الوقت، سوف تتعلم الدرس ولا تعيد الكرّة
أبدًا.
مع بداية العام الحالى، بدأتُ مقالا عنوانه: "شركات المحمول، عيب اختشى”، دعمت خلاله فكرة مقاطعة الشركات الثلاث يوم 28 يناير 2015، فى إحياءٍ لذكرى اليوم التعس الذى قطعت فيه عنّا الشركاتُ خدمةَ الاتصالات والإنترنت أثناء ثورة يناير 2011. إلا أننى لم أكمل المقال ولم أنشره، بعدما قرأت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال اجتماعه بوزير الاتصالات وتكنولوچيا المعلومات آنذاك المهندس عاطف حلمى. حيث أصدر الرئيسُ أوامره بضرورة توفير خدمات الإنترنت فائق السرعة، وتحسين مستوى خدمة الإنترنت المقدمة للمواطنين، والاهتمام بتدريب الشباب المصرى فى مجال الاتصالات وتكنولوچيا المعلومات لتوفير الكوادر المتخصصة فى هذا المجال. تصورتُ وقتها، لحسن ظنّى، أن المشكلة قد انتهت. لكن الأيام كشفت أنها تتفاقم، حتى فى عهد الوزير الجديد. لأن الفكرة كامنةٌ فى عدم احترام المسؤولين للمواطن، وفشل الإدارة، والجشع الرابض فى النفوس، وتلك أمور لا تمحوها قراراتٌ سيادية، بل تحتاج إلى منظومة أخلاقية وتربوية، يبدو أنها غابت عن ثقافتنا، بكل أسف، بعد تسيّد ثقافات: رخص قيمة المواطن، والأنامالية، وغياب الضمير.
سأُعيد كلامى المكرور بأن الخلل كامنٌ فينا إلى أمد غير منظور، ما لم نقم بثورة أخلاقية شاملة، تُعيد المواطن المصرى إلى "الكود الأخلاقى والقِيَمى” الذى كان موجودًا حتى الستينيات الماضية، حين كانت الدولةُ تحترم المواطن، وكان المواطن يحترم الآخر. وكان الجميعُ يحترم القانون والعمل وقيم الجمال والتحضّر.