من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف؟ و لكننا فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا .. وعود كتابية رأيتها فى عيون أهالى شهداء مصر بليبيا الذى اصطفوا فى الصفوف الأمامية بكنيسة مدرسة دى لاسال بالظاهر للمشاركة فى أمسية الصلاة و التأبين الذى أعدها مجلس كنائس مصر يوم الثلاثاء الماضى لأرواح شهداء مصر بليبيا .. ووسط اجواء امتزجت بالروحانية و الوطنية عشنا مع أهالى الشهداء فرحتهم بوصول أولادهم لوطنهم السمائى و تعزينا نحن بإيمانهم أن اولادهم “شهداء أحياء”.
بدأت أمسية الصلاة بالسلام الجمهورى، و القى القس الدكتور بيشوى حلمى امين عام مجلس كنائس مصر الكلمة الافتتاحية، فقال: إن الأمسية تتضمن شقين أساسين، الأول أنها أمسية صلاة و الثانى تكريم، صلاة حيث نصلى من أجل احبائنا أسر الشهداء أن يملئ الله قلوبهم الايمان و السلام و نحن تقابلنا اليوم معهم و رأينا كم هو ايمانهم الذى لا يقل عن اولادهم الشهداء الذى قدموا أرواحهم فى سبيل الايمان بالله و الوطن، كما نصلى من أجل الرئاسات، من أجل رئاسة الدولة، الحكومة، من أجل الرئاسات الكنسية، سنصلى من أجل الأزهر، كل الرئاسات فى مصر أن يعطيها الله حكمة و قدوة و قدرة، و سنصلى من أجل سلام بلدنا مصر الغالية فالأخطار تحيط بها من كل جانب فسنصلى أن تستمر مصر كما هي رائدة فى المنطقة عالية وسط الشعوب و الأمم.
و أضاف أن لقائنا يتضم الشق الثانى و هو التكريم، تكريم لشهداء ليسوا بموتى و لكنهم احياء فقدموا لنا أروع الصور فى الثبات انه ثبات الايمان انهم حقا عزيمة الأبطال و الرجال، اجد فيهم عبارات المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث، حين قال: لم تموتوا أيها الأبطال بل، قد سكنتم في سماء الخالدين، لم يمت مَنْ قاوَم الكفر ومَنْ، بيسوع هز عرش الكافرين، لم يمت مَنْ صار بإستشهادهِ، قُدوَة تبقى على مر السنين، لم يمت مَنْ قدم الروح على، مذبح الحق جريئاً لا يلين، لم يمت كل غريب ههنا، مر بالدنيا مرور الزائرين، عجباً كيف صمدتم للطغاة، في ثبات أدهش الكون مداه، أي شئ حبب الموت لكم، هل رأيتم فيه أكليل الحياة، أم بصرتم بيسوع واقفاً، في إنتظار فاستبقتم للقاه، أم سمعتم مثل همس الوحيْ مَنْ، قد دعاكم فإستجبتم لدعاه، أم تذكرتم صليب الناصري، ونسيتم كل شئ ما عداه، أم تخيلتم عمود الدين قد، راح يهوي فإصطففتم لحماه، أيما قد كان داعى الموت لم، نستطيع حسبانكم في المائتين، لم تموتوا أيها الأبطال بل، قد سكنتم في سماء الخالدين.
ثم تحدث الاب بهيج رمزى نائب رئيس الكنيسة باسم الكنيسة الاسقفية فقال: نشارك اليوم فى لحظة مقدسة، و نأتى لنحنى رؤسنا لأروح هؤلاء الشهداء و نحنى رؤسنا لأسرهم، ففى وقت من الأوقات قالوا عصر المعجزات انتهى، و المعجزات مازالت مستمرة، و فى وقت قالوا عصر الاستشهاد انتهى و لكننا نرى الاستشهاد أمام عيوننا، ربما عصر الاستشهاد يزدهر، و فى وقتا ما ربما لن يكون هناك وقت نحتفل فيه بمجموعة شهداء، و لكن ربما يأتى وقت نودع بعضنا البعض و تتوالى الشهادة فهل :اعددنا ككنيسة انفسنا لهذه اللحظة؟
بعد ذلك تحدث نيافة الانبا يوليوس أسقف عام مصر القديمة باسم الكنيسة القبطية الارثوذكسية، و بدء نيافته كلمته بقراءة بجزء من رسالة معلمنا بولس الرسول الى العبرانيين فقال: في الايمان مات هؤلاء اجمعون و هم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها و صدقوها و حيوها و اقروا بانهم غرباء و نزلاء على الارض، فأن الذين يقولون مثل هذا يظهرون انهم يطلبون وطنا، فلو ذكروا ذلك الذي خرجوا منه لكان لهم فرصة للرجوع، و لكن الان يبتغون وطنا أفضل أي سماويا لذلك لا يستحي بهم الله ان يدعى الههم.
و تابع نيافته قائلا: رأينا الشهداء و هم مرفوعى الرؤس، رافعين رؤسهم للسماء، رأينا الشهداء فى شجاعة عجيبة، ناظرين للسماء، و عبر لى كثير من أخوتنا انه كانت وجهم منيرة، رأيتم هؤلاء و هم لا ينظرون اطلاقا لما حولهم، فمن المؤكد انهم كانوا ينظرون السماء و كانوا ينظرون المجد السماوى الذى ينتظرهم، فالدافع الاول لاستشهاد اى انسان هو التمسك و النظر للسماء.
و أضاف نيافة الانبا يوليوس أن هناك أنواع للاستشهاد فالأمهات التي فقدت أبناءهن شهيدات، نظرا لتقبلهن نحر السيوف قلوبهن وهن يشكرن الله، فنحن قد أوفدنا مجموعة من الكهنة للقرى لتعزية اسر الشهداء وجدوا عبارات رضا، شجاعة، فرأوا دولاجى، و رفأة اخرى فالرضا و الشكر استشهاد، الجهاد و القداسة استشهاد، قبول التجربة استشهاد، قبول المرض استشهاد.
و استطرد نيافته: أيها الاحباء هذه الأسر جميعا كانت تعيش بروح الاستشهاد و لهذا عندما ذهب اولادهم للساحة عمليا كان الامر سهلا، فإن منازلهم كنيسة و رأيتوا المسيح فى كل بيت من بيوت هؤلاء، ولذا ليس عجيبا أن يرفعوا رءوسهم بشجاعة، أثناء استشهادهم، ولنشكر الله لأننا رأينا شهداء أصحاب سيرة عطرة لاستشهادهم متمسكين بالإيمان وبعزة وطنهم.. فنحن اليوم لا نعزى الاسر لكننا تعزينا جميعا فقد سمعنا عن مارجرجس، و مارمينا، لكن ربنا سمح لنا أن نرى شهداء جدد فى هذا الزمن مرة أخرى، انى فخور بهم و باسرهم لانهم شهداء لثلاث أمور “شهداء المسيحية، شهداء مصر و الوطن، شهداء المبادئ”
و بأسم الازهر الشريف تحدث الدكتور محيى الدين عفيفي رئيس مجمع البحوث الإسلامية فقال: هؤلاء الشهداء الشرفاء، هؤلاء الذين ترجموا عظمة المواطن المصرى الذى يعيش فى دينه و يموت فى دينه، هؤلاء الذين رفعوا هامة مصر، رأينهم حتى فى اللحظات الاخيرة لم ينحنوا بل ترجموا شموخ المصريين، و ان عظمة المصريين و عظمة مصر لا تنفصل و لعلا ما اجدد هذه العظمة تلك الأفعال الصادقة التى جسدتها مصر من خلال قيادتها و من خلال قواتها المسلحة، و تلك العبارات القوية التى جاءت نابعة من القلب على لسان رئيس مصر حينما قال ” من غير الممكن أن نذهب لتقديم واجب العزاء فى شهداء مصر قبل ان تأثر مصر شهدائها “، و كانت عظمة مصر تثبت للعالم انها لن تستأذن احد فى الدفاع عن كرامة المصريين، مضيفاً أن مصر لن تفرق بين مواطنيها و أن هذا الإرهاب الاسود لا دين له و لا وطن.
ثم القى نيافة المطران جورج شيحان مطران الكنيسة المارونية بمصر كلمة باسم الكنيسة الكاثوليكية فقال: نعتز بشهدائنا الذين سقطوا فى ليبيا و نفتخر بصمودهم و جرائتهم و شجاعتهم التى كانت علامة مميزة و شهادة فيها من البطولة و أعطت للعالم دروسا فى الايمان و كيفية الشهادة الحقة، هؤلاء الشهداء أبطال يتعطش عصرنا لايمانهم و تفتقد كرازتنا مثلهم فاليوم نطلب من الرب ان يرسل دائما لكنيسة شهداء قديسين بهم تتجدد و تثمر كنيستنا الى الابد
و تحدث بعد ذلك الدكتور القس صفوت البياضى رئيس الكنيسة الانجيلية الفخرى بأسم الكنيسة الانجيلية فقال: دعونى اقول اننا كلنا اقباط – مسلمين و مسحيين – لان كلمة قبطى تعنى مصرى، و كلنا مصريون و احباءنا ايضا من بلاد الشام يشاركونا نفس الالام لانهم يجتازوا نفس الظروف فى مواقعهم لذلك نتحد معا فى الالام، و بأسمكم جميعا و بأسم جميع كنائس مصر نوجه تحية و تقدير للسيد رئيس الجمهورية السيد عبد الفتاح السيسى ففى الوقت الذى كنا نفكر فيه لتشكيل لجنة لتعزية الرئيس لان الذين دفعوا حياتهم هم مصريون شأنهم شأن كل المصريين و رئيس الجمهورية هو رب العائلة الذى يستحق ان نعزيه و نواسيه فى اولاده، و اذ به يسبقنا ليتوجه للكاتدارئية و يقدم التعزية عنا.
و أضاف ان ابنائنا استشهدوا مرفوعى الرأس، و الذين اعتدوا عليهم هم المرتعشين و خائفون، المقيدون بالسلاسل رؤسهم مرفوعة و غير المقيدين هم الذين يرتعشون لانهم مقيدون بالخطية و الجريمة و بالكراهية، رأينا شهوة المؤمن ليا اشتهاء ان انطلق و اكون مع المسيح ذاك افضل جدا، تلك هى لغة المؤمنين، فرحة المؤمن و هو يودع الارضيات.
و مع توزيع الدروع تكريماً للشهداء قال نيافة الأنبا مارتيروس، أسقف عام كنائس شرق السكة الحديد: إننا فرحون بشهدائنا لأن بدمائهم تؤسس الكنيسة القبطية، ولذا فإنها لازالت حية تنبض كونها مبنية على دماء الشهداء، مضيفا إن المصريين وحدة واحدة، أعطوا للعالم درسا في المبادئ والقيم.
و قد تخلل حفل التأبين أبيات زجلية قدمها سعيد جيد، و شعراً قدمه الشاعر رمزى بشارة، و ابتهالات للفنان سمير الاسكندرانى.