المستشار سامح المشد
تتوجه أنظار العالم اليوم نحو مصر، ولم يتبق سوى أيام قلائل، وتطل علينا من نافذة التاريخ، وبوابة الذكريات، وسقف الثورات، الذكرى الرابعة، للثورة الرائعة، على أرض الصعوبات، وبحر التحديات، بين أمواج الطموحات، تحت سفينة النجاحات، تطل ذكرى إنطلاق الثورة، بوجهها المشرق، الذي تجلى فيها الشعب المصري بشبابه، فشد رحاله ورجاله، صوب حريته، وإنسانيته، وكرامته، في ملكيته، ومملكته المصرية. الذكرى الرابعة، لفكرة بارعة، لثورة مبدعة، لمبادئ نابعة، من قلوب طائعة، رفضت أن تكون تحت رحمة الفساد، وهيمنة الإفساد، وسيطرة الإستبداد، فضلا عن همجية الإحتلال، وضبابية الإستغلال، وعتمة الظلال، وظلمة الضلال، فعميت أبصارهم، فظهرت غباشة النظام، وهشاشة العظام، وغشاوة اللئام، وغشامة الحكام. فإجتمعت أصوات الشباب المصري، وجحافل شعبه على كلمة سواء، بفضل رب السماء، لإزاحة البلاء، من عقول صماء، وعيون عمياء، لطلب العلياء، بهتاف العلماء، وأهداف النبلاء، ومبادئ العقلاء، بتأييد الأسوياء، وتسديد الأتقياء، ومباركة الحكماء.
قبل أربع سنوات إشتعل فتيل ثورة 25 يناير، بعد ثورة تونس بعدة أيام، فأشعلت محيطها، وأسقط شباب الثورة نظامها، فأحاطوا رحابها، وتبنوا أحلامها، لإنسانية يجب إحترامها، وعلى خطاهم المبهرة، وإستشهاد أرواح طاهرة، سار شباب ليبيا وسوريا واليمن على نهجها. الكل يعد العدة لهذه اليوم، صحفيون، ومحللون، وسياسيون، والثوار المرابطون في ساحات النضال والحرية، بعقولهم البشرية، يطمحون في تحقيق باقي أهدافهم الثورية، وهي في طريقها للتحقيق، رغم الصعوبات الداخلية، والعمليات الإرهابية، والمواقف التخريبية، والتحديات الإقليمية، التي تواجه مصر والبلاد العربية. وتحقيقها، حق مشروع، وحلم مزروع، في قلوب الشموع، تزرف لبطئها الدموع، وبتحقيقها تجيش الصدور، في كتاب مسطور، بعد كشف المستور، في صفحات الدستور، أمام شعب مبهور.
بالأمس القريب، قبل الثورة، لم يجد المواطن، ملاذ ومأوى، يجد فيه غاياته، وأمنياته، ويشعر بوجوده، وإنسانيته، ومكانته، في ظل دولة النظامين السابق والأسبق، كل منهما نظام خوان، مبارك، والإخوان. فقامت الثورة المصرية، وهى بلا شك شبابية، شعبية، تقية، قوية، وأيضا شقية، فتية، عفية، ليست تخريبية، جسدت معنى الأخلاق الثورية، والأهداف السوية، والمبادئ السلمية، بكل معانيها الوردية، فلم تشبها شائبة، أو تدنسها أيادي خائبة، فتقابلت فيها أفكار صائبة، بعيدا عن التفجيرات، وتجار الثورات، الذين إلتفوا على كثير من المشروعات، من رحم الإنتفاضات، فإخترقوها، فتحولت من ثورات شعوب ثائرة، وأطياف حائرة، إلى ثورات سياسية، لوئدها في مهدها.
فلنحتفل بذكراها، ونفرح بمداها، وتظل كما عهدناها سلمية، تتسم بالعقلانية، والمبادئ والأخلاق بعيدا عن الهمجية، والعنف والدموية، والنزعة العدائية، التي تحيلها إلى تناحر وإقتتال، وزيادة القتال، ونار تأكل الأخضر واليابس، برعاية وجه عابس. لكننا في سلميتنا نريد أن نحصد الأخضر، ونصلح اليابس، ونسقط العابس، برجال أشاوس، ونبتعد عن لغة السلاح، وإزهاق الأرواح، ورؤية الأشباح، ونقترب من لغة السماح، وصيغة الفلاح، ومطالب الفلاح، الذي يعمل في صلاح وإصلاح. لقد سئمنا رائحة الدم، وكرهنا لغة الذم، وسيرة النم، حتى شهدنا الهم، وشربنا الغم، ومنهم أدمن الشم، وسط فساد عم، وإفساد طم. فالعالم كان شاهدا على ثورتنا وأخلاقياتها، من إعترف منهم ومن لم يعترف، وأي إنحراف عن المسار الذي سارت فيه، يفقدها شرعيتها ومشروعيتها، ولا يجب أن نستجيب لتلك الأصوات، التي تدعوا إلى تغيير مسار الثورة، والمطالبة بإستخدام خيارات أخرى، أمثال الإخوان، و6أبريل، وبعض شباب حزب الدستور، أحفاد البرادعي. وهذه هي الأخطاء بعينها التي تتداخل في عقلانيتها الفوضى، والعبثية، التي يدعو لها المدعو خالد داوود، المتحدث بإسم حزب الدستور، هذا المراهق سياسيا، فتسقط ثورتنا من القمة، لتصبح بلا قيمة، ولا قامة.
لم نعد نحتمل المزيد من الصراعات، والخزعبلات، والعبث بمقدرات ومكتسبات مصر والثورة، وتحويلها إلى مرتع خصب للإرهاب والإرهابيين، والفوضى والفوضويين، ونشر الفساد والفساديين، بطرق شتى، مما يؤدي الى صب نار الهمجية، والبلطجية، على زيت البغضاء والحقد والكراهية، والمصالح الشخصية، فيولد إحتقانات، وإختناقات، تفجر البلاد، وتحوله إلى صفيح ساخن، للإحتراب، والإقتراب من أفكار تريد تحويل البلاد الى خراب. أستطيع القول أننا حققنا بعض وليس كل ما نصبوا اليه، ولم يحصل ضحايا وشهداء الثورة على حقوقهم، وأفلت كثير من المسؤلين من العقاب، لكننا سنعيد حقوق الشهداء، وستبقي مصر الأفضل، فقد حققنا الكثير، وأيضا لم نحقق الكثير، ولكننا سوف نحقق الكثير، أقول: (مكملين) بفضل الله، ثم الجيش، والشعب، والشباب.
وهنا لفتة ونداء للأحزاب السياسية والسياسيين في مصر، أن يجمعوا الشباب على كلمة سواء، حتى لا يفقد ثقته في هذه الأحزاب، وأن تلعب أدوارا هامة، لإعلاء الهامة، والخروج الى العامة، لمحاربة الأفكار السامة، حتى لا تقع الطامة، وفرض السيطرة، متكئين على مبادئ شريفة وعفيفة، وأهداف ثورية، لا ثانوية.
علينا أن نفرح ونمرح ونشرح ضرورة الإحتفال بالذكرى الرابعة، والإمتثال للثورة الرائعة، بالطرق المسموعة، والوسائل المشروعة، بعيدا عن الشباب المدفوعة، والتابعين لرؤساء مخلوعة، لتجنب البلاد والعباد ويلات العبثية، والهمجية، والحماقات، والمراهقات، حتى نحافظ على الدولة المصرية، التي أنهكتها كثرة المشاكل المالية، والفسادات الإدارية، من قبل قوى النفوذ في فترتي المخلوع، والمعزول، لذا.. وجب علينا أن نؤصل أخلاقيات الثورة، ونوطد المبادئ التي جُبلت عليها ثورتنا، فسحقا لإراقة الدماء، التي سالت من الأبناء والنبلاء، ولنجدد شعار السلمية، ولغة العقلانية، وماعدا ذلك، ما هم إلا مخربون، يريدون تشويه الشعب والجيش، وإخماد الثورة وإطفاء جذوتها. الثورة المصرية، ظلت وستظل الوجه المشرق لثورات "الربيع العربي" في وقت غرقت فيه دول عربية، في حمامات الدماء، وفوضى الإقتتال. بفضل الله ستبقى مصر حرة مستقلة، (إدخلوا مصر إن شاء الله آمنين)(إدخلوا مصر فإن لكم ما سألتم).