احتفلت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة مؤخّراً بتركيب أول 4 توربينات غاز طراز «إتش كلاس» لمحطة كهرباء بنى سويف، قدرة الواحدة 400 ميجاوات على قواعدها، فضلاً عن ستة مولدات تحويل بقدرة 500 كيلوفولت، وهو ما يُعَدّ من الخطوات المهمة نحو تشغيل المحطة التى ستصبح، فور الانتهاء منها، أكبر محطة كهرباء فى العالم تعمل بنظام الدورة المركبة وتعتمد على الغاز الطبيعى فى تشغيلها.
«الوطن» داخل أكبر المحطات فى العالم: 8 توربينات وقدرة 4800 ميجاوات
«الوطن» تجولت داخل موقع إنشاء محطة بنى سويف، الواقعة على بعد 110 كيلومترات جنوب القاهرة، والتقت العاملين بالمحطة، نحو 5 آلاف عامل، الذين يسابقون الزمن لبدء تشغيل أولى وحدات المحطة الشتاء المقبل. ما بين الإحساس بالفخر والالتزام بالمعايير والتعليمات كان العاملون بموقع محطة بنى سويف، التى يردّد جميع العاملين بها من سائق ومهندس وفنى ومسئول نظافة، عبارة واحدة: «الالتزام للحفاظ على حياة العامل»، مما جعل تنازلهم عن الإجازات فى العطلات الرسمية، والعمل على مدار الساعة، شيئاً تَعوّدوه، ولم يبقَ أمامهم سوى تحدى الطبيعة، ممثَّلةً فى درجات الحرارة التى تصل فى بعض الأحيان داخل الموقع إلى 44 درجة مئوية. «نشعر بالفخر.. ونصنع التاريخ»، هذا هو لسان حال العاملين بمحطة بنى سويف التى تُعَدّ الأكبر على مستوى العالم، تحتضنها محافظة طالما عانت الافتقار إلى البنية الأساسية السليمة، مما جعل أبناء المحافظة، التى ينتمى إليها معظم العاملين بالموقع يشعرون بالمسئولية تجاه ما سمّوه «صناعة التاريخ الذى سيفخر به أبناؤهم».
«6 ملايين ساعة عمل دون وقوع أى حوادث جسيمة» هى اللافتة الأبرز بمجرَّد دخول موقع إنشاء محطة كهرباء بنى سويف، التى يبدأ تشغيل أولى توربيناتها نوفمبر المقبل، وتقدر القدرات الكهربية المولدة من المحطة بثلاثة أضعاف قدرات محطة كهرباء السد العالى.
«معايير الأمان» كانت السمة المشتركة بين جميع العاملين بموقع المحطة، نحو 5 آلاف عامل، معظمهم من المصريين، وتحديداً من أبناء محافظة بنى سويف، جميعهم يرتدى القبعة البيضاء وسترات واقعية ملوَّنة ونظارات بلاستيكية وأحذية أمان، ثقافة لم يعهدها أبناء المحافظة من قبل، مما جعل الشركات المنفذة للمحطة (متمثلة فى شركة «سيمنز» الألمانية و«السويدى إليكتريك») تعمد إلى تنظيم محاضرات لمدة ثلاث ساعات لجميع العاملين عن معايير الأمان قبل الالتحاق بالعمل بالموقع.
«حامد»: أحرص على نظافة الموقع لأنه بيتى.. و«أحمد»: السلامة وحياة الأفراد أهمّ الاعتبارات
«أنا أخدت تلات ساعات محاضرة عن السلامة والأمان قبل ما أشتغل»، قال مرسى أحمد، سائق مركبات فى موقع محطة بنى سويف، مضيفاً أنه تعلّم خلال عمله بالمشروع أن السلامة وحياة الأفراد أهمّ الأشياء التى يجب أن تؤخذ فى الاعتبار، مما جعل سرعة مركبته داخل الموقع لا تتعدى 15 كيلومتراً فى الساعة، مردّداً: «لازم أركّز كويس، وسلامة الناس أهم حاجة عندى».
على بعد أمتار قليلة من موقع كان كثيرون يعتبرونه قبل ستة أشهر قطعة صخر كبيرة يصعب تفتيتها، بدأ العاملون تركيب أكثر التوربينات كفاءة على مستوى العالم فى قدرتها التى تصل إلى 400 ميجاوات، بوزن 445 طنّاً.
على ارتفاع 5.5 متر، وطول 12.6 متر وعرض 5.5 متر، وقفت «الوطن» أمام توربينات شركة «سيمنز» داخل موقع محطة بنى سويف، التى بدأت رحلتها فى فبراير الماضى من ميناء «فيست هافن» فى برلين ووصلت محطة بنى سويف فى أبريل الماضى.
«سيمنز» و«السويدى»: محاضرات للعاملين عن معايير الأمان قبل بدء العمل
ومن المقرر أن يحوى موقع المحطة خلال أشهر قليلة ثمانى توربينات بإجمالى قدرات 4800 ميجاوات تجعل من المحطة ليس فقط ثلاثة أضعاف قدرات محطة كهرباء السد العالى، بل الأكبر على مستوى العالم، كما سيحوى 12 مولداً وأربع توربينات بخارية، بمستوى كفاءة يصل إلى 60%، وهى الأعلى فى معدلات الكفاءة بين محطات الكهرباء على مستوى العالم، كما يُتوقع أن توفّر المحطة الطاقة الكهربية لـ15 مليون مصرى.
«العنصر البشرى هو الأهم»، كان هذا هو الشعار الذى على أساسه وقّعَت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة اتفاقياتها مع شركة «سيمنز» الألمانية خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى لإنشاء ثلاث محطات (البرلس، بنى سويف، العاصمة الإدارية)، مما انعكس على تدريب ما يقرب من 600 مهندس وفنى الشهر الماضى موجودين حاليّاً فى ألمانيا، للعمل داخل المحطات الثلاث، ويركز البرنامج التدريبى على المهارات التقنية، والسلوكية، مما يمكّن المتدربين من تشغيل محطات الدورة المركَّبة الثلاث.
وتعمل محطة كهرباء بنى سويف بتكنولوجيا الدورة المركَّبة، وتستند إلى التوربينات من طراز (SGT5-8000H)، مناسبة لتلبية احتياجات مصر من الطاقة الكهربية، لأنها تجمع بين الإنتاجية العالية مقارنة بمستويات قياسية من الكفاءة.
وفى حال توافر كفاءة عالية من التوربينات يسهم ذلك فى تقليل إجمالى انبعاثات هذه المحطات من غاز ثانى أكسيد الكربون، فمثلاً تَحسُّن الكفاءة بنسبة 1.5% يقلّل الانبعاثات بنحو 320 ألف طن، بينما تصل كفاءة توربينات بنى سويف إلى 60%، ما يوفّر ملايين الأطنان من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون. كما تتسم التوربينات بقدرتها على الاستجابة السريعة لأى متطلبات لزيادة أو تخفيض حجم الإنتاج من الطاقة الكهربائية.
تعمل المحطة، التى تُنشأ على مساحة 500 ألف متر مربع، أولاً بنظام الدورة البسيطة قبل أن تتحول للعمل بتكنولوجيا الدورة المركَّبة بعد إضافة المبادلات الحرارية والتوربينات البخارية، ليصل إجمالى قدرات المحطة إلى 4800 ميجاوات.
«وقت قياسى غير مسبوق»، هكذا اعترف مسئولو وزارة الكهرباء وشركة «سيمنز» الألمانية، التى وصفت تنفيذ المحطات الثلاث خلال 19 شهراً بالتحدى الذى لم يحدث فى تاريخ الشركة الذى يرجع إلى عام 1901، إذ يُعَدّ أسرع بنحو ستة أشهر مقارنة بجميع المعايير القياسية العالمية، بل بلغت نسبة التنفيذ الحالى لمحطة بنى سويف 32%، وهى نسبة تسبق المعدل الزمنى المتفق عليه لإضافة ما يقدر بـ50% من إجمالى قدرات إنتاج الكهرباء الحالية بحلول عام 2018.
«عادت إلينا الثقة»، كان هذا لسان حال العاملين، الذين التقتهم «الوطن» فى موقع إنشاء محطة بنى سويف ويعمل معظمهم فى شركة «السويدى»، أحد الشركاء المحليين فى تنفيذ المشروع، ما يبشر ببناء جيل من الخبراء المصريين لمشروعات الكهرباء.
«الوطن» التقت المهندس محمد عبده، مسئول السلامة البيئية بموقع محطة بنى سويف، الذى يعمل على ملاحظة السلامة البيئية للمشروع وتأثيرات العمل على البيئة المحيطة للعمل بموقع المحطة والبنية التحتية، كما يعمل على الاهتمام بالأمور الاجتماعية للعاملين حتى لا يستغل العامل خلال عمله بالموقع، والمحافظة على توفير احتياجاته من معيشة جيدة داخل موقع المحطة، الذى يُتوقع أن يصل الحد الأقصى للعاملين به يوميّاً إلى 10 آلاف عامل.
«بنشتغل فى تحدى مع الزمن»، قال «عبده»، مضيفاً أن توافر الموارد يسهم فى مواجهة التحديات، بخاصة أن محافظة بنى سويف من المحافظات غير المتوافر بها بنية تحتية جيدة، لذلك عمدت الشركات المنفذة للمشروع إلى توفير خدمات طبية للعاملين، منها تجهيز أربع عربات، اثنتان للإسعاف واثنتان للمطافئ، ويمكن لهذه العربات توفير الخدمة، ليس فقط لموقع محطة بنى سويف بل للمجتمع المحيط الذى يفتقر إلى هذه الخدمات إلا على بُعد مئات الأميال.
وأوضح «عبده» أن العاملين بالموقع حاليّاً أصبح لديهم ثقافة مختلفة عن التى كانت موجودة فى شهر يوليو الماضى، بعد تأهيل العامل وإعطاء محاضرات تعريفية بأهمية المحطة لا يعرفها كثير من أصحاب المؤهلات العليا. كما أسهم العمل فى المحطة فى تغيير قرار كثير من شباب المحافظة بالسفر إلى مناطق النزاعات العربية مثل ليبيا، لإيجاد فرصة عمل، إلا أن المحطة أسهمت فى توفير هذه الفرص لهم، ما جعل العاملين يرددون: «لقمة عيش وجت لنا لحد البيت». وأضاف «عبده» أن وعى العاملين بالمحطة فى زيادة مستمرة، مع التركيز على أهمية الالتزام بمعايير الأمان لأنها مرتبطة بحياة الأفراد، مما جعلهم يلتزمون طواعية بهذه التعليمات والوصول إلى تحقيق 6.5 مليون ساعة، دون أى حوادث جسيمة، بخاصة فى ظل التعامل مع معظم الخبراء الألمان الذين يتّسم معظمهم بالجدية والالتزام، وهى الروح التى سرعان ما انتشرت بين العاملين.
ويمتلك معظم المهندسين العاملين بالموقع، كما ذكر «عبده»، خبرات فى مجال الكهرباء، منهم من عمل لخمس سنوات فى محطات عتاقة والكريمات وغيرها من المحطات.
«أحرص على نظافة موقع المحطة لأنه بيتى الذى أعيش بداخله»، قالها وحيد حامد مسئول نظافة موقع مشروع محطة بنى سويف، الذى بدأ العمل بالمشروع منذ شهرين ويعمل على مدار 12 ساعة.
ويواجه «حامد»، الذى التقته «الوطن»، تحدياً فى الحفاظ على نظافة موقع محطة تتسم تربته بالصخرية، إلا أنه بمساعدة ستة عاملين يعمل على تنظيف أماكن تجمع العاملين، مثل الاستراحات والمناطق المخصصة للتدخين داخل الموقع، كما يعمل على إزالة أى أحجار تواجه طريق حركة العربات داخل الموقع.
ورغم زيادة عدد العاملين المصريين بموقع محطة بنى سويف، الذى نادراً ما تلاحظ معه بينهم أحد الخبراء الألمان، فإن مشاهدة وجه ينتمى إلى أصول آسيوية كان من المستغرب، بخاصة إذا كان أحد مسئولى الموقع، وهو المهندس «راديش منن»، من الهند، أحد المسئولين عن العاملين بموقع المشروع.
قال «منن»: «أعمل فى مصر منذ عام 2010، وبدأت العمل فى أحد المواقع بالإسكندرية، ثم انتقلت إلى العين السخنة، ويعد مشروع محطة بنى سويف ثالث مشروع للحكومة المصرية أعمل به».
وأضاف «منن» أن «العمل فى مصر ليس صعباً على الإطلاق، لتشابه الثقافة المصرية ونظيرتها الهندية، وأحببت كثيراً التعامل مع العمال المصريين، كما أن العاملين من أبناء محافظة بنى سويف تختلف ثقافتهم عن الموجودة فى الإسكندرية والعين السخنة، ما أسهم فى مضاعفة المجهود لزيادة وعى العاملين بأهمية السلامة والصحة المهنية».
ووصف «منن» العاملين فى موقع محطة بنى سويف بأن لهم قدرات كبيرة وأنهم سريعو التفاعل والفهم، ومعظم العاملين بدأوا من البداية فى اكتساب المعرفة، إلا أنهم سرعان ما تفاعلوا واندمجوا فى خلية العمل.
« أنا ممكن أتكلم عربى ما عنديش مشكلة»، هكذا قال «منن» فجأة، فى إشارة منه إلى أنه نجح فى تعلم اللغة العربية بنسبة 20%، بخاصة أنه يعمل فى مجال تعليم الأفراد، وأن اللغة قد تشكّل بعض الصعوبات، لكن العمال المصريين سريعو الفهم ويحقق معهم إنجازاً كبيراً.
ولفت «منن» إلى أن إنجاز مشروع محطة بنى سويف فى وقت قصير يمثّل تحدياً كبيراً، لما يشمله من مهامَّ عديدة فى فترة زمنية وجيزة، مع الاستمرار فى العمل دون توقُّف، وفقاً للجدول الزمنى، بالتزامن مع الحفاظ على معايير السلامة والأمان وتسهيلات العمل مثل الانتقالات.
تجهيز موقع استخراج مياه النيل لتشغيل الوحدات البخارية
عمال تركيب التوربينات يعملون على قدم وساق بالمحطة
وحيد